إن حُسنُ الاستِماع يُرسِّخ الثِّقَةَ في النَّفسِ، ويَردُم الجَفوَة، ويسُدُّ الهوَّة، ويخفِّف وَطأةَ الخِلاف، ويفتح المجالَ واسعاً للتفاهم والحوار البنَّاء، وأن المرءُ لا يصافِح الناسَ وكفُّه مقبوضةٌ، فكذلك لا يفهم الناسَ ولا يفهمونه وأذُنُه مغلَقَة مقفولة، وأن ليس أسهلَ مجهوداً ولا أَفعَل تأثيراً في تملُّكِ القلوب مِنَ الإنصات، وأن الله عز وجل قدَّم السمعَ في سبعةَ عَشر موضعًا؛ ممَّا ينبِّه على مكانِ السمع وقدْرِه، وعظيم أثره، وكبيرِ نَفعه وفائدته، فالإنسانُ تبدأ معارِفُه بالسمع، وبه يفقَه التشريع، ويكون أهلَ التكليف والامتثال، قال تعالى{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} ، قال أهل العلم: عبَّر بالسمع؛ لأنَّه طريق العلم بالحقِّ والآياتِ والبراهين، و السماعُ والإنصات انتِباه وفَهمٌ واستجابة {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} قال قتادة: "ما أَسرَعَ ما عَقل القومُ!"، ذلكم هو السماعُ الفعَّال؛ سماعُ عِلمٍ وفقهٍ وتدبُّر وفَهمٍ وتعقُّل وانصياع، قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. الاستماع والإنصاتُ هو الوسيلة المثلى للتدبُّر من أجل الفهم والعمل، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} قال أهل العلم: ما الفائدة أن يقول المرء: سمِعنا وأطعنا ولم تظهر عليه آثارُ الطاعةِ والإيمان؟! فلا خيرَ في السمع ولا في الاستماع إذا لم يظهَر أثرُ ذلك بالقبول والامتِثال وابتغاء الحق.