الخطبة الأولى الحمد لله، الحمد لله العلي الكبير، تعالى وتنزه عن الشبيه والنضير، والمعين والظهير (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، أحمده سبحانه وأشكره أعطى الكثير، وتجاوز عن التقصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً خالصة مخلصة، أرجوا بها النجاة من عذاب السعير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذو القدر العليِّ، والشرف الكبير، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى نهج حقه يسير، وسلَّم التسليم الكثير،. أما بعد:فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها، وخلق له ما في السموات وما في الأرض وسخرها، أحمده سبحانه وأثني عليه، وألا علينا نعمه وآلاءه. لنشكرها، وما ضمها عبدها فلن يحصرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حق ويقين، أرجو عند الله أجرها وثُخرها، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله رسم معالم الملة وأظهرها، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه كانوا أفضل هذه الأمة وأكرمها وأبرها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عز وجل رحمكم الله، وأخلصوا لربكم القصد والنية فإنما الأعمال بالنيات، واجتهدوا في الطاعة فقد أفلح من جد في الطاعات، ولزموا الصدق في المعاملة فإن دين الله في المعاملات، بادروا رحمكم الله إلى ما يحبه مولاكم ويرضاه، فكل امرئ وقوف على ما اقترفه وجناه (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).أيها المسلمون، كلمة عظيمة تتضمن معانيا واسعة تدور حول صلاح الإنسان وفلاحه في معاشه ومعاده ونفسه وأهله ومجتمعه وفي كل ما حوله من حيوان ونبات وجماد، كلمة تدخل في الدين والعبادة والقول والعمل والخُلق والمظهر والسلوك، كلمة عظيمة لها مدارها في التعامل والتعايش، ولها أثارها في ربأ الصدع وتضميد الجراح، وغسل الأسى، وزرع التصافي، والدفع إلى التسامي صعودا في مكارم الأخلاق، كلمة إليها ترجع أصول الأدب وفروعها، وحسن المعاشرة وطرقها، كلمة هي غاية غايات، ومحط همم ذوي المهام العاليات، هذه الكلمة العظيمة يوضحها ويجليها حديثان صحيحان عن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أما الأول: فقد سأل عن هذه الكلمة جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال له: أَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ. قَالَ: "الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"، وأما الحديث الثاني: فحديث أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقَتْلَه، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبِيحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"، أخرج الحديثين الإمام مسلم ابن الحجاج في صحيحه وأصحاب السنن.معاشر الأخوة، الإحسان مشتق من الحُسن، وهو نهاية الإخلاص، والإخلاص أن يأتي المسلم بالعمل على أكمل وجوه من الإتقان والإحكام والجمال في الظاهر والباطن، والإحسان في العبادة أن تعبد الله كأنك تراه فهو قيام بوظائف العبودية مع شهودك إياه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك أي: فتكون قائم بوظائف العبودية مع شهوده إياك، إنه مراقبة العبد ربه في جميع تصرفاته القولية والعملية والقلبية، علم القلب بقرب الرب فهو من أعلى مقامات التعامل مع الله.أيها المسلمون، الإحسان مطلوب في شأن المكلف كله في إسلامه وإيمانه، وفي عباداته ومعاملاته، وفي نفسه ومع غيره، وفي بدنه، وفي ماله، وفي جاهه، وفي علمه وعمله، وأول مقامات الإحسان الإحسان في حق الله عز وجل وهو الإحسان في توحيده: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) فيوحد المسلم ربه على الشهود والعيان كما عبده بالدليل والبرهان، ومن الإحسان في التوحيد الرضا بمقادير الله فيظهر الرضا والقبول في المنع والعطاء: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ وأمره كُلَّهُ خَيْرٌ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَلا يكون ذَلكَ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ"، وهل عودك بربك يا عبد الله إلا إحسانا؟ وهل أسدا إليك إلا جوداً ومننا؟ ومن الإحسان في توحيده فهم العلاقة بين السبب والمسبب، وإذا سألت فسأل الله، فيتوجه القلب إلى ربه رب الأرباب ومسبب الأسباب طالبا منه معتمدا عليه راضيا عنه، ومن الإحسان تحقيق شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدق محبته ولزوم طاعته، وحسن متابعته، وعدم مجاوزة شرعه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ومن الإحسان إحسان العبد في عبادة ربه، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وإحسان العبادة الإخلاص، والخشوع وفراغ البال ومراقبة المعبود، فللصلاة طهور وآدابها وسننها وسكينتها وقنوتها وطمأنينتها حتى تقول لصاحبها حفظك الله كما حفظتني، والإحسان في الزكاة والإنفاق أن يخرج من طيب ماله بطيب من نفسه من غير منِّ ولا أذى شاكرا لربه فضله إذا جعل يده هي اليد العليا، والإحسان في الصيام الصوم إيمانا واحتسابا، يدع الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجل ربه ومولاه، "وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ"، وإحسان الحج أن يهل الحاج بالتوحيد متمما الحج والعمرة لله، مجتنبا الرفث والفسوق والجدال، "فمن حج ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".أيها الأخوة الأحبة، وبعد حق الله في الإحسان في توحيده، وفي عبادته، وحق رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الطاعة والمتابعة يأتي الإحسان إلى عبادة الله، ويأتي في المقدمة الوالدان: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، ويتبع الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى الرحم وذوي القربى بالبر والصلة واللطف في القول العمل: "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلُ مَنْ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا"، ومن الإحسان الإحسان إلى اليتامى والمساكين والضعفاء وأصحاب الحاجات الخاصة قول لين وإنفاق من غير منَّ، ومعاملة من غير عنف وصادق خدمة ورفع معاناتهم وعدم التعالي عليهم والحذر من إشعارهم بما ابتلوا به: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ*وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً*إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)، ومما يتعين الإحسان إليهم الغرباء وأبناء السبيل والوافدون فهم لا يعرفون الأعراف الجارية ولا العادات السائدة بل لا يعرفون منكم إلا أخلاقكم وحسن تصرفكم، ولا تغفلوا عن الإحسان إذا معسرين من المدينين فتكونا المطالبة بالمعروف والإنظار إلى ميسره وتجاوزوا لعل الله أن يتجاوز عنكم في يوم: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، وأحسنوا في بيعكم وشرائكم وحسن التقاضي فيما بينكم: "فرَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، وسَمْحًا إِذَا قَضَى، وسَمْحًا إِذَا اقْتَضَى"، ومن الإحسان الإحسان بترك المحرمات واجتنابها بالكلية، والانتهاء عنها ظاهرا وباطنا وفي التنزيل العزيز: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ)، أما الإحسان إلى الحيوان: "ففِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ"، وللجماد نصيبه من خلق المسلم وإحسانه وأُحُدَ جبل يحبان ونحبه.عباد الله، أما قوله عليه الصلاة والسلام: "فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقَتْلَه، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبِيحَةَ" فهذا شان عظيم في الإسلام، فالله أكبر استحقاق القتل لا ينافي الإحسان في كيفيته وآليته، قال أهل العلم ضرب المثال بالقتل والذبح الذي ربما يتوهم أنه في غاية البعد عن الإحسان، إن الإحسان في الإسلام يرسم ويرسخ القيم الإنسانية العليا، ويترفع عن الأحقاد والضغائن، نعم الذي يستحق القتل قد لا يفيده ولا ينفعه ترفقك به؛ وإنما تتجلى القيمة في سمو إنسانية المسلم، وعلو منزلة الأخلاق عنده، إن خلق الإنسان هذا وعلى هذه الصفة هو الذي يجسد التحضر والسلوك الإنساني الراقي، ويتجلى الإحسان فيه، والراحمون يرحمهم الرحمن وما كان الرفق إلا شانه، ومن اللطائف ما ذكره بعض أهل العلم في قوله سبحانه: (فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ)، وفي قوله عز شأنه: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ)، قالوا: أهل العلم إن المقصودة الإحسان في القتل حتى في حال الحرب والقتال الكفر وشد والوثاق.معاشر المسلمين، ذو الإحسان ينطلق في ميادين الإصلاح الواسعة يبذل ما في وسعه ينشر الخير والفضل والبر في كل ما يحيط به أو يمر به، المحسن عنصر صالح، ومسلم مستقيم مع نفسه ومع الآخرين لا يصدر منه إلا ما يحبه لنفسه ويرضاه للآخرين، وفي مسلكه تزداد الحياة استقامة والمحبة عمق وتسود الثقة وتنتشر الطمأنينة فيكون الإنتاج المثمر والسعادة الشاملة، المحسن شخصية مهذبة راقية يستبطن بين جوانحه مكارم الأخلاق جملة من مكارم الأخلاق تدور بين العدل والإحسان وفق توجيهات الشرعي وترتيباته وأولوياته، الإحسان معيار قياس نجاح علاقات وثوابتها ودوامها، وإذا كان العدل أساس الحُكم وقيام الدول فإن الإحسان هو سبيل رقيها ورفعتها وتقدمها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)، ومن الجهاد عباد الله، كان جزاء الإحسان عظيما فإن الله عز شأنه أحسن صبغة وأحسن قيلا، ومن أقرض الله قرضا حسنا وأبلى بلاءا حسنا ضاعف له المثوبة أضعافاً كثيرا، ومنَّ علينا سبحانه بالرزق الحسن والمتاع الحسن في الدنيا والحسنى وزيادة في الأخرى، ولمن أحسن في هذه الدنيا حسنة، ومن هاجر إليه بوئه في الدنيا حسنة، ومن اقترف حسنةً زاد له فيها حسنا، ومن سأله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة فله نصيب مما كسب، ومن صدق بالحسنى ودعه بأسمائه الحسنى أعطاه في هذه الدنيا الحسنى وجعله من الذين سبقت لهم في الآخرة الحسنى، وكل ما كان الإيمان أكمل والعمل أحسن كان الجزاء أوفى والثواب أعظم: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ) (آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ)، وللمحسنات من النساء مثل ذلك: (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً).وبعد عباد الله، فيقول الإمام النووي رحمه الله: الإحسان هو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين، وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب من المولى، وهل جزاء من أسلم قلبه لربه إلا أن يكفيه ويحفظه، فإذا حكمتم فاعدلوا، وإذا تعاملتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب المحسنين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ)، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.الخطبة الثانية:. الحمد لله، الحمد لله على توفقيه وإحسانه وإرشاده، والشكر له على توالي فضله وازدياده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تقود صاحبها إلى فوزه وإسعاده، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسوله أفضل رسوله وخير عباده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المعاد، أما بعد:أيها المسلمون، إن للإحسان أفاقه الواسعة في هذه الحياة، فهو ميزانها الدقيق في كل جوانبها؛ بل هو خلق عظيم، يتجاوز المعاملة بالمثل أورد الجميل أو الشكر على الصنيع، إنه يرتفع بصاحبه ويسمو به إلا أن يحسن للناس ابتداء ولو لم يسبق له منهم إحسان؛ بل يترقى إلا مرتبة أعلى حين يقابل إساءتهم إليه بالإحسان إليهم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ)، مقابلة الإساءة بالإحسان هي. الترياق النافع في مخالطة الناس، والدواء الناجع لإصلاحهم وبث الأمان فيهم، إحسان تتحول العداوة معه إلا صداقة، والبغض إلا محبة، الإحسان هو دواء السيئة وجزاءها من أجل أن تسلى السخائم ويقضى على الضغائن فينقلب العدو صديقا: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، يقول الثوري رحمه الله: الإحسان أن تحسن إلى المسيء فإن الإحسان إلى المحسن تجارة أي: معاوضة ومقابلة للإحسان بالإحسان، ومقابلة السيئة بالحسنة شيء عظيم لا يطيقه إلا ذو الهمم العالية: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، إنه صبر جميل وتحمل الأذى وغفران للإساءة.ألا بتقوى الله رحمكم الله، فإن هذه الموقف النبيلة المتسامحة سرعان ما تعطي ثمارها، وتؤدي نتائجها من الحب والقبول، كم هم النبلاء الذين يقابلون هذه الإساءة مهما بلغة مساوئها ومهما أثرها، والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلا الله أنفعهم لعياله في يسر ورفق وحسن ظن وتجاوز.هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداه نبيكم محمد رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم فقال في محكم تنزيله وقال وهو الصادق في قيله قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللَّهُمَّ عن الخُلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، والتَّابِعين، ومن تابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وجودِك، وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللَّهمَّ وليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهمَّ وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك وعزه بطاعتك وأعلي به كلمتك وجعله نصرة للإسلام والمسلمين، وألبسه لباس الصحة والعافية، وأمد في عمره على طاعتك، وجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللَّهمَّ وفقهم ونائبه وإخوانه وأعوانه لما تحبه وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللَّهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، وجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، اللَّهمَّ وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيها المعصية ويؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ أحفظ إخواننا في سوريا، اللَّهمَّ أحفظ إخواننا في سوريا، اللَّهمَّ أجمع كلمتهم وحقن دماءهم، اللَّهمَّ وشفي مريضهم ورحم ميتهم، وأوي شهيدهم، اللَّهمَّ واجمع كلمتهم وأصلح أحوالهم،اللَّهمَّ واجعل لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية، اللَّهمَّ أنصرهم على عدوك وعدوهم، اللَّهمَّ عليك بالطغاة الظلمة في سوريا، اللَّهمَّ إنهم قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وأسرفوا في القتل والطغيان، اللَّهمَّ عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللَّهمَّ فرق جمعهم وشتت شملهم واجعل الدائرة عليهم يا قوي يا عزيز، اللَّهمَّ عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللَّهمَّ أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللَّهمَّ إنا ندرى بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللَّهمَّ وقفنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللَّهمَّ تقبل طاعتنا ودعائنا، وأصلح أعمالنا، وكفر عنا، سيئاتنا وتوب علينا، وغفر لنا، ورحمنا يا أرحم الراحمين (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).