الكوارث والنكبات.. عقوبات وابتلاءات

الكوارث والنكبات.. عقوبات وابتلاءات
. الحمد لله، الحمد لله على ما أعطانا ومنحنا، والحمد لله على ما صرف عنا ومنعنا، وفي كل ذلك ابتلانا وامتحننا، كفانا وآوانا وابتلانا ووقانا، أحمده - سبحانه - وأشكره، يبتلي بالسراء والضراء ليظهر الشكور من الكفور والجزوع من الصبور: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له المحمود على كل حال، الخير بيديه والشر ليس إليه وهو الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، لا خيرَ إلا دلَّ الأمةَ عليه ولا شر إلا حذرها منه؛. فهو الناصح الأمين في الحال والمقال والأفعال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار خير صحب وأكرم آل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، صلاةً وسلامًا دائمين بالغدو والآصال، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المآل.. أما بعد:فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله - عز وجل - فاتقوا الله - رحمكم الله - فمن أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن عمل لدينه يسَّر الله له أمر دنياه، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أحسن الله ما بينه وبين الناس، ومن عرف الدنيا هانت عليه مصائبها.. وأشد الذنوب ما استخف به صاحبها، ومن لم يصبر على البلاء لم يرض بالقضاء؛. فاتقِ الله - ياعبد الله – حيثما كنت، واحفظ الله يحفظك، وأتبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].. أيها المسلمون:في العهود القريبة الماضية ابتُليت الديار بسنين من الشدة واللأواء وسنوات من الفقر والقلة وأحوال من الضعف والعيلَة والخوف والتشرد، وقد كان الناس في إيمانهم أحسن حالا وبربهم أقوى اتصالا، ثم أبدل الله الخوف أمنا والفقر غنى والفرقة اجتماعا، فلله الحمد والمنة.. غير أن بعض الأخلاف نبتت فيهم نوابت ونشأت فيهم فئات لما توالت عليهم النعماء وانتشر فيهم الرخاء ظهرت فيهم الغفلة، فنسبوا النعم إلى غير موليها وتوجهوا بالشكر إلى غير مسديها، وما فقهوا قول الله – عز وجل -: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء} [الأعراف: 95].. فيهم من كانت دنياه على حساب دينه، وفيهم من يتبع الشهوات ويأكل ألوانًا من الحرام والباطل، وفيهم من يستحل الأموال العامة بأدنى الحيل، وارتقى أفرادٌ على أكتاف عامَّةٍ ضعفاء، ثم صاحب ذلك غفلةٌ عن آيات الله وسننه في كونه وما يرسله من آيات ونُذُر تخويفًا واعتبارا وتذكيرًا وادِّكارا.. كيف يكون ذلك – رحمكم الله – وقد جاء في خبر الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألُك خيرَها وخيرَ ما فِيها وخيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما فِيها وشرِّ ما أُرسِلَتْ به".. وإذا تخيلت السماء تغيَّر لونُه وخرجَ ودخل وأقْبلَ وأدْبر، فإذا مُطرَت سُرِّي عنْه، فسألته عائشة – رضي الله عنها – فقال: "لعله ياعائشة كما قال قوم عاد: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: 24]. الآيات.. واقرأوا إن شئتم: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} [الإسراء: 59].. نعم – حفظكم الله ورعاكم – ليس الخوف والحذر قاصراً على أهل الموبقات والمجاهرين وأهل الكبائر.. لقد كان مجتمع محمدٍ – صلى الله عليه وآله وسلم – وصحب محمدٍ – رضي الله عنهم – خير المجتمعات وأصلحها، وهل كان محمدٌ – صلى الله عليه وسلم – وهو يتخوَّف هذا التخوف من الكسوف والخسوف ومن الرياح ومتغيرات الكون؟ هل كان متَّهِما لأصحابه بالسوء أو حاكماً عليهِم بالفساد؟. عليكم – أحسن الله إليكم – أن تلزموا فقه نبيكم محمدٍ – صلى الله عليه وسلم - واحذروا المسلك الفرعوني؛. فقد قال الله – عز وجل – فيه: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 78 – 79].. واحذروا مسالك أمثال فرعون ممن قال الله فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [يونس: 96 – 97].. وما أعقل قوم يونس من قوم حين قال الله – عز وجل - فيهم: {إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: 98].. عباد الله:ينبغي المزيد من الخوف والحذر والمبادرة إلى التوبة والرجوع والاتعاظ؛. ولاسيما مع مظاهر التقصير والغفلة وتوافر النعم وظهور بعض المنكرات، وقد قال – عز شأنه -: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].. وقال – عز شأنه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41].. ذلكم أن التحذير من المعاصي والإنذار من المخالفات ليس رمياً للأمة بالفسوق ولا جزمًا في اتهام أقوامٍ بالتقصير.. وقد حدثت نوازل في عهد السلف وحلَّت كوارث في خير القرون، فكان عام المجاعة ووقع الطاعون في عهد الصحابة – رضوان الله عليهم - وفيهم المهاجرون والأنصار وأصحاب بدر وصفوة الأمة.. وحين تحل الابتلاءات بأهل الإسلام وديارهم، فمع ما ينبغي من الحذر والخوف والوجل والمسارعة إلى التوبة، لكن من المتقرر لدى أهل العلم أنه لا يُقطع بأن كل البلايا عقوبات وجميع النوازل مثلات، بل منها ما هو ابتلاءٌ وتمحيص، ومنها ما هو رفعٌ للدرجات وتكفيرٌ للسيئات، ومنها ما هو امتحانٌ للرضا والتسليم وتحقيق الإيمان بأقدار الله المؤلمة.. ولا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة، وما يصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ ولا حزن، حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر اللهُ بها خطاياه.. بذلك صحَّت الأخبار عن نبينا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم – بل إن مما يصيب الله به في الدنيا بعض عباده ما يكون مانعا من عقاب الآخرة ومنه ما يكون سببا لصلاح النفس والذرية في الدين والدنيا.. معاشر الأحبة:ومع وضوح ذلك وجلائه في مبادئ الإسلام وأصوله، إلا أن من المعلوم كذلك أن للحوادث والكوارث والآيات والابتلاءات ما هو مرتبطٌ بأعمال بني آدم ومخالفاتهم ومعاصيهم وفسوقهم، وقد قال نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -: "يا أمَّة محمد: والله ما مِنْ أحدٍ أغْيَر مِنَ الله أنْ يزني عبدُه أو تزْني أمتُه".. ولما قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثُر الخَبَث"؛ حديث متفق عليه.. وفي حديثٍ رواه الإمام أحمد بسندٍ حسن يقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إنَّ العبْدَ ليُحرَم الرزق بالذنْبِ يصيبُه".. والذنوب والآثام والتقصير في جنْب الله ليس معصوما منها أحد؛. فكل ابن آدم خطَّاء، غنيهم وفقيرهم، صالحهم وفاجرهم، ذكرهم وأنثاهم.. لكن كثيرًا من الناس لا يرى من الذنوب والتقصير إلا بعض الذنوب الشائعة أو الذنوب المستحدثة الطارئة من شيوع الفواحش وإشاعاتها، والربا والكوارث الطبيعية والزلازل والفيضانات، لكنهم يغفلون عن ذنوبٍ وآثام لا تستوقفهم ولا يتنبهون لها لكثرة ملامستهم لها وملابستهم إياها، من العقوق وقطيعة الرحم والحسد والرياء والغش والكِبْر وعضْل النساء والغيبة والنميمة وأكل أموال اليتامى وحقوق المستضعفين، وأنواع من الظلم والتجاوزات من عوالي الأمور وصغائرها مع الإصرار وقلة الاستغفار.. كما يغفل هؤلاء المفرطون والمقصرون عن أن يروا آثار تقصيرهم من الحروب والأمراض وتسلط الظَّلَمَة والذل والضعف والأخذ بالسنين والأزمات الاقتصادية في آثارٍ لا تخفى ولا تُحصَى.. كما أن آثار الذنوب والمعاصي والمخالفات ليست قاصرة على حوادث ظاهرة أو كوارث حادثة، ولكنها قد تكون كما قال - عز شأنه -: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام: 65].. ألم يقل نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تبايعتُمْ بالعيْنَة وأخذْتم بأذْنابِ البقر ورضيتم بالزَّرعِ وتركْتُم الجهَاد سلَّط الله عليكُمْ ذلا لا ينْزعْهُ عنْكمْ حتَّى ترجِعُوا إلى دينِكُم"؛ رواه أبو داود وغيره.. فكل هذه الأنواع والألوان من آثار الذنوب والمعاصي لا تقع تحت حصر، نعوذ بالله من أليم عقابه ونلجأ إليه من شديد عذابه في ذنوب وآثام موجودة في طبقات المجتمعات لا تختص بفئة ولا تقتصر على طبقة يغفل كثيرٌ من الناس عن ملاحظتها والتنبه لها.. عباد الله:إذا تمت ملاحظة ذلك زال الوهم أو التوهم بأن المصائب تنزل على من لا جريمة له أو تقع على مَنْ لا ذنب له.. ومما يثيره بعض أهل الغفلة والجفوة قولهم: لماذا لا نرى أقوامًا وديارًا وأهل فسقٍ ظاهر وفجورٍ بيِّن لا تنزل بهم هذه الكوارث المؤلمة؟!. وهذا - حفظكم الله - من أعجب العجاب ومن أشد أنواع الغفلة والجرأة على الله وأقداره؛ فقد خفيت عليهم في ذلك حِكَمٌ وأحكام عظيمة، منها:·. أن في قولهم هذا اعتراضا على أقدار الله وحكمته، وهو - سبحانه - لا يُسأل عما يفعل.·. كما أن هذه الكوارث والأحداث تنزل على جميع أهل الأرض - كما هو مشاهدٌ معلوم - ولله الحكمة البالغة في اختيار مكانها وزمانها.·. ومن الحكم كذلك: أن ألوان المعاقبات والجزاءات لا تحصر من إملاء الله للظالم وإمهاله والطمس على القلوب والطبع عليها وقسوتها؛. فلا حول ولا قوة إلا بالله.· ومن الحكم: أن الذنوب سببٌ للكوارث ولكنها ليست كل الأسباب، ففي حكمة الله وتقديره أن ليس كل من وقع في ذنب تحصل له كارثة أو تنزل به بائقة، كما أن صاحب الطاعة والاستقامة والصلاح يقع عليه الابتلاء بتلك اليد وبغيرها.. فالأسباب لا تستقل وحدها بالتأثير، بل قد يحيق بالسبب ظروف وعوامل تجتمع - بإذن الله - فيكون لها التأثير ويتخلف بعض هذه العوامل فلا يكون التأثير، ولله الحكمة البالغة والمشيئة النافذة.. عباد الله:ومع هذا كله فلا يُنكَر أن للأحداث والنوازل والظواهر الكونية أسبابها الظاهرة وتفسيراتها العلمية، ولكن حذار أن يكون الركون إلى ذلك مما يهون العظة ويقلل من الاعتبار ويغلظ حجاب الغفلة ويصرف عن الإيقاظ والاتعاظ.. فالأسباب - رعاكم الله - من ورائها ربها ومسببها والحاكم عليها، سبحانه - عز شأنه - إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ثم رتب عليه - إن شاء - نتائجه وآثاره.. وبعد أيها المسلمون:فإن نظرة المؤمن بكون الكوارث والأحداث ومتغيرات الكون - أرضيها وسماويها - نظرته نظرة إيمان وتوحيد وعبادة تجمع بين التسليم بالأقدار والرضا بالمقادير والأخذ بالأسباب؛. فكل ما يجري بقدر الله وإرادته، ولا يخرج شيء عن تقديره وتدبيره ومشيئته، فالمنظور إليه - حفظكم الله - ليس وقوع البلاء وحلول المصائب فهذا قضت به سنن الله - سبحانه - يرسله ويبعثه إلى من يشاء من خلقه، وإنما العبرة في موقف العبد من الرضا والتسليم والصبر ومدافعة الأقدار بالأقدار.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22-23].. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة؛. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. . . الخطبة الثانيةالحمد لله، الحمد لله لا زالت أقداره في الورى ماضية وأحكامه على البرايا جارية، أحمده - سبحانه - وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، نعمه متوافرة وآلاؤه علينا متوالية، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا تخفى عليه منا خافية، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله جاء بالملة الخاتمة والشريعة الهادية، صلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشرف الأسمى والرتب العالية والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين تسليمات وصلوات غير متناهية.. أما بعد:فإن ما يجري فإن مايجري من حوادث ونوازل وآيات ومثلات لا تملك لها البشرية ردا ولا تستطيع دونها صدا.. عباد الله:إن من الغفلة، إن من الغفلة والجفوة أن تُصرف مقاصد الواعظين ونصائح الناصحين وتذكير المذكرين، تُصرف إلى ألوان من الانتقاص أوا لتسفيه أو التشكيك في النوايا والمقاصد، والأشد والأنكى أن يوصف الوعظ بأنه (إرهابٌ فكري) أو يُنعت النصح بأنه (تمريرٌ للفكر المتطرف)، فلا حول ولا قوة إلا بالله.. وتزداد الغفلة وتشتد في القلب القسوة وتعظم في الدين الجفوة حين يوصف التذكير بالله والتحذير من آياته ونذره بأنه (توظيفٌ للدين واستغلال النصوص).. سبحان الله عباد الله! هل بلغت القسوة وهل وصلت الجفوة، بل هل وصل الجهل إلى هذا الحد؟. نعم - منحك الله هداك، ورزقنا البصيرة وإياك - إن الوعظ توظيف للدين، والتذكير إعمال للنصوص واستعمال لها.. وهل الدين إلا هذا؟ وهل جاءت نصوص الشرع إلا لهذا وبهذا؟ ما الدين - رعاك الله وألهمك رشدك - وما التدين إلا هذا، ما الدين ولاالتدين إلا الالتزام (إلا الالتزام) بذلك كله في السراء والضراء واستحضار النصوص والاستشهاد بها في حال الرغبة وفي حال الرهبة.. الدين والتدين التزامٌ وسلوك وتمسك في جميع الأحوال: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163].. عافانا الله وإياكم لقد عاتب الله أقواما ممن جاءتهم الآيات والنذر ثم لم يروا ولم يستفيدوا ولم يستيقظوا: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]، بل ألم يخاطب الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - ومعه الصفوة من الأمة حين حصل التقصير يوم أحد: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165].. ألا فاتقوا الله - رحمكم الله – (ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -) وتوبوا إليه واستغفروه، وابتغوا مرضاته واجتنبوا سخطه وموجبات غضبه.. ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ رسول الله؛. فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله فقال – وهو الصادق في قيله - قولا كريما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].. اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمدٍ الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارْضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين - أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي - وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.. اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.. اللهم آمِنّا في أوطاننا، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.. اللهم وفق إمامنا اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك، وأعزه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يارب العالمين، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه وأعوانه لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى.. اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.. اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير.. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.. اللهم من أرادنا اللهم من أرادنا وأراد ديننا وديارنا وأمننا وأمتنا واجتماع كلمتنا بسوءٍ اللهم فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرا عليه يارب العالمين، اللهم إنا ندرؤك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.. اللهم احفظ جنودنا وقواتنا، اللهم احفظ جنودنا وقواتنا وقوِّ عزائهم واربط على قلوبهم، وأحكم أمرهم وسدد رأيهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم واحفظهم أن يغتالوا من تحتهم.. اللهم من اخترته منهم إلى جوارك فأنزله منازل الشهداء، اللهم واشف مرضاهم واحفظهم في أسرهم وذرياتهم إنك أنت السميع العليم.. اللهم عليك باليهود الغاصبين، اللهم عليك باليهود الغاصبين المحتلين فإنهم لا يعجزونك، اللهم وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا بلاء ولا غرق، اللهم واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين.. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لنا أبواب القبول والإجابة، اللهم تقبل طاعتنا ودعاءنا وصالح أعمالنا، وكفر عنا سيئاتنا وتب علينا واغفر لنا وارحمنا ياأرحم الراحمين.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. عباد الله:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].. فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.