الفقر

الخطبة الأولى الحمد لله فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، القائم بأرزاق خلقه فما لأحد منهم عنه غنى، الخلائق كلهم إليه فقراء وله سبحانه وحده الغنى، الدوام له عز شأنه ولهم هم الفناء أحمده سبحانه وأشكره على جزيل نعمه وآلاءه سراً وعلانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من حقق توحيده فأتى يوم القيامة آمنا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسوله دعاء إلى الله وأقام الملة وجاهد في الله حق جهاده وما ضعف وما ونى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار سادتنا وأئمتنا والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الفناء، وسلم تسليما كثيرا، ما سجى ليلٌ وأضاء سنا،. . أمَّا بعد:فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله رحمكم الله، وإياكم والغفلات واحذروا الأماني الكاذبات فريب المنون كامل في الحركات والسكنات، وما أقرب الحياة من الممات، قسمة المنايا مديد الأعمار وهدمت تعاقب الليالي مشيد الديار، فأصبحت الأحوال خبرا، والأحاديث عبرا (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى)، فاستعدوا رحمكم الله ليوم الحساب فذلك يوم ما أطوله، وحساب ما أثقله، وحاكم ما أعدله (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ*فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه).أيها المسلمون، قضية مألوفة، وظاهرة في المجتمعات معروفة، مشكلة في جميع الأمم والأعصار، والحاضرات والأمصار، مسألة لا يخلوا منها مجتمع ولا تنفك منها دولة مهما بلغ تقدمها وثراءها، وحسن إداراتها وسياساتها ، مشكلة ذات أبعاد اجتماعية، وامتدادات سلوكية، وجودها في أمة أو دولة ليست مثلبتاً ولا عيبا، ولكن نسيان ذلك وإهماله أو عدم النظر في أسبابه، والسعي في علاجه هو المعيب وفيه المسئولية، ذلكم هو الفقر والفقراء، لقد عرفت البشرية منذ أزمان متطاولة وأعصاره المتعاقبة، وحاولت البشرية في مسيرتها الطويلة بمللها ومذاهبها ومفكريها وأنظمتها أن تحول مشكلة الفقر وأن تخفف من معانات الفقراء بالترغيب والترهيب تارة، وبالمواعظ والوصايا تارة، وبالتنظير والمثليات تارة، وأحيانا بمبادئ متطرفة ذات اليمين أو ذات اليسار، ناهيكم بما أثاره ويثيره الهدامون من الإثارات الطبقية والنعارات المذهبية، بل إن المبادئ الهدامة والتوجهات السيئة تبني أوكارها، وتقيم أفكارها في ربوع الفقر والحرمان والضياع هذا بعض التصور والتصوير، أما في دين الإسلام دين العقيدة والشريعة والعبادة والمعاملة والدين والدولة، دين تبيان كل شيء: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، الدين الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الفقر إلى الغنى، الدين الذي يصح الدنيا بالدين: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى)، (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ).معاشر الأخوة، من رواسخ ديننا وثوابته إن لكل مشكلة حلا، ولكل داء دواء، فالذي خلق الداء خلق الدواء، ومن قدر المرضى قدر العلاج، فالمرض بقدر الله والعلاج والشفاء بقدر الله، وإذا كان الفقر قدراً وبلاءا فإن مقاومته والسعي في الخلاص منه قدر وعلاج كذلك، الإسلام أقر حقوق الفقراء وضمنها وحفظها وحماها ووجه بالدفاع عنها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، صيانةً للمجتمع، وحفظاً للأسر، وإشاعةً لروح الإخاء، وسلامةً لدين، واستقامةً للخلق.أيها المسلمون، الفقر في نظر الإسلام بلاء ومصيبة تعوذ منها، ووجه بالسعي للتخلص منها، ليس في مدح الفقراء آية في كتاب الله ولا حديث صحيح في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الفقر وجعله قرينا للكفر: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ" رواه أبو داود وغيره، وفي الحديث الآخر: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه ورمز له صاحب الجامع الصغير بالحسن، عمر رضي الله عنه يقول: لو كان الفقر رجلاً لقتلته، ونبه القرآن الكريم إلى أن الجوع عذاب ساقه الله إلى بعض الأمم الكافرة بنعمه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، وفي المقابل فقد امتن الله على قريش بأن (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، وفي الحديث: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ"، وفي المقابل كذلك عباد الله فإن الغنى نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده بل لقد امتن الله بذلك على حبيبه وخليله محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز شأنه: (وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)، ومحمد عليه الصلاة والسلام لما سأل ربه الهدى والتقى سأل معه الغنى فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى" رواه مسلم، ودعا لعبدالرحمن بن عوف في صحابة آخرين رضي الله عنهم دعا لهم بالبركة في تجارتهم، ودعا لخادمه أنس رضي الله عنه فقال: "اللهم كثر ماله"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَا نَفَعَنِي مَالُ كما لأَبِى بَكْرٍ" أخرجه أحمد وابن ماجه من حديث أبو هريرة رضي الله عنه، وعند البخاري: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلاً صالحاً مُتَقَبَّلا"، وحسبكم قوله جل شأنه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً*يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً).معاشر الأحبة، إذا كان الأمر كذلك فإن الفقر نعوذ بالله منه حال يكون معه المرء عاجزاً عن تلبية حاجاته من الغذاء والكساء والدواء والسكن والتعليم وفرص العمل، الفقر عدم الدخل أو نقص فيه يعجز معه الفقير عن تحقيق متطلباته من العيش اللائق بكرامة وحسن رعاية، في حالة الفقر لا يستطيع الفقير القيام بمناشط الحياة وحيويتها ومن ثم تبرز صورٌ من انتشار الأمراض وسوء التغذية والوفيات ونقص التعليم وقلة فرصه واستخدام الأطفال.نعم معاشر الأخوة من حق الفقير أن يتهيأ له مستواً من المعيشة ملائم لحاله يعينه على أداء فرائض الله ومطلوبات الشرع، وأعباء الحياة، ويقيه من الفاقة والحرمان.أيها المسلمون، وأول ما يتوجه إليه النظر في حل هذه المشكلة وعلاجها وتقليل أثرها مما تؤكده توجه ديننا هو مطالب كل مسلم قادرٍ مطالبته بالعمل، كما لابد منه إيجاد فرص العمل، فالعمل هو الوسيلة الأولى والسلاح المضاء بإذن الله وعونه للقضاء على هذه المشكلة، العمل بتوفيق الله هو جانب المال وعامل الأرض، العمل أساس الاقتصاد والإنتاج والغنى والعفاف والكفاف والثرى، العمل مجهود شرعٌ كريم يقوم به العبد من عباد الله ليعمر أرض الله الذي استخلف في عمارتها. بنفسه ومع غيره، إن ديننا يقرر ويؤكد أن الله خلق الأرض (وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، وأودع في ظهرها وبطنها البركات المذخورة، والخيرات المنشورة ما يكفي جميع عباد الله عيشاً هنيئاً مريئاً (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)، وفي توجيهات الإسلام أن هذه الخيرات والبركات والأرزاق المبثوثة لا تنالُ إلى بجهد يبذل وعمل يؤدى، وسعي دوؤب (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، فمن سعى وانتشر في الأرض وضرب في أرجائها مبتغياً فضل الله ورزقه فإنه أهل لنواله، ومن قعدا وتكاسلا وتنمى الأماني كان جديراً بأن يحرم "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْكمْ كَمَا يرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".معاشر الأخوة، العمل في الإسلام عبادة وما تعدد نفعه وامتدا أثره فهو أفضل عند الله وأزكى ممن كان قاصر نفعه على صاحبه، وأبواب العمل مفتوحة في الإسلام على كل مصارعيها يختار منها الراغب ما يلؤم قدرته وكفاءته وخبرته وموهبته فـ "ـالتَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" رواه الترمذي والحاكم بإسناد حسن، و "مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمِلِ يَدِهِ" رواه البخاري، و"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" رواه البخاري، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم، سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الْكَسْبِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ :"عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ" رواه أحمد.عباد الله، وثمة نظرات حول العمل عند بعض الناس لابد من الوقوف عندها ذات مساس كبير في المعالجة:النظرة الأولى: موقف قاصر ضارب جذوره منذ أيام الجاهلية الأولى إلى عصرنا هذا مع الآسف، ذلك هو الاستهانة بالعمل أو ببعض أنواع العمل ولاسيما عند العرب الذين يحتقرون الأعمال اليدوية وبعض الحرف والمهن وهذا وربكم ليس من الدين ولا من الأصالة ولا العقل الراجح، فدينكم رفع قيمة العمل أياً كان نوعه من وجوه الكسب الحلال، ونهى وحذر وشنع على البطالة والعجز والاتكال على الآخرين، فكل كسب حلال فهو عمل شريف عظيم مأجور صاحبه وفي الحديث الصحيح: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حْبَله، فَيَأتيَ بحُزْمَةً. الحَطَبٍ على ظهره، فَيَبِيعَها، فَيَكُفَّ بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطًه أَمْ مُنِعَه"، نعم هذه مهنة الاحتطاب فهل ترى أحداً يزدريها بعد هذا التوجيه النبوي الكريم؟ وأنبياء الله أفضل خلق الله ومصطفوه كلهم قد رعوا الغنم وفيهم صانع الحديد والنجار والخياط والبزاز والحراث، وموسى عليه السلام رعى الغنم وآجر نفسه عشر سنين عند الرجل الصالح، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم رعى الغنم لقريش وسافر بالتجارة، وأئمة الإسلام وعلماءه كان فيهم وفي أسرهم البزار والقفال والحذاء والزجاج والخراز والحطاب والجصاص والخياط والخواص والقطان والمواز وغيرهم مما لا يكاد يستثنى من مهن مباحة، فكفا بهم شرفاء وكفا بهم قدوة وأسوة.النظرة الثانية: من الناس من يدع العمل لأنه لم يتيسر له في بلده وعند أهله سبحان الله عباد الله يؤثر البطالة والحاجة والحرمان على السعي والسعة والعفاف والغنى وما علموا أن أرض الله واسعة ورزق الله في المشي في مناكبها والضرب في أرجاءها، رزق الله غير محدود بمكان ولا محصور بجهة، ونحن في هذه البلاد الطيبة المباركة يفيد إلينا أخوان لنا من بلاد شقيقة وصديقة، يُفيد إلينا من أصقاع الدنيا يسهمون معنا في بناء بلدنا وأعمارها ويسعون في تحصيل أرزاقهم ويكدون من أجل أهاليهم وأطفالهم فعلى الرحب والسعة، يعلم الله كم نسعد حينما نرى أبناءنا يشاركونهم وينافسونهم التنافس الشريف (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً)، (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، وسئلت أم مسلمة عن تفرق أولادها فقالت بلغة الأم المربية العاقلة الحكيمة: باعدت بينهم همهم.النظرة الثالثة: فئة من الناس يزهدون في العمل معتمدين على الصدقات والزكوات والتبرعات والأعطيات، وقد يتزلف متزلف لداء الأغنياء والوجهاء والكبراء أشبه بالمتسول والشحاذ لتكون يده هي السفلى سيتجني المنح والعطايا قوياً قادراً لا تحل له الصدقات ولا الزكوات.وبعد عباد الله، فإن الإسلام لم يجعل لمتبطل كسول حقاً في صدقات المسلمين وإحسانهم وما ذلك إلا ليدفع القادرين إلى العمل والكسب الحلل، وما فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والمأثم والمغنم وغلبة الدين وقهر الرجال، ونعوذ بك من الفقر إلا إليك، اللهم أغنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وأغنا بفضلك عمن أغنيته عنا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ)، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم. وبيد محمد صلى الله عليه وسلم، وأقولٌ قولي هذا واستغفر الله له لكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. . الخطبة الثانية:. الحمد لله هادي من استهداه، ومعطي عبده فوق ما تمناه، أحمده سبحانه وأشكره على جزيل ما أولاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد بحق سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُ الله ورسوله قربه وأدناه، وأراه من ملكوته ما أراه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين السادة، وأصحابه المكرمين السراء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرا لا حد لمنتهاه،أيها المسلمون، وعلى الدولة في الإسلام مسئوليتها في تهيئة فرص العمل وطرق المعاش وإيجاد الوسائل والتجهيزات والإعدادات، إن وظيفة الدولة في دين الإسلام وظيفة إيجابية واسعة شاملة، وظيفتها حماية الذين يملكون والذين لا يملكون، والمجتمع في نظر الإسلام مترابط متماسك جسد واحد: "إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، العلاقة بين أفراده ومؤسساته ليست علاقة إنتاج أو علاقة عرض وطلب إنها أعمق من ذلك وأقوى، إنها علاقة عقيدة وفكر وعاطفة ووحدة نظام وشريعة جسد واحد، يمد ويستمد وينفع وينتفع، والدولة هي رأس المجتمع وهي جهازه الذي ترعى هذا الترابط ويحافظ عليه ويصونه ويؤكد لحمته ويرعى ثمرته: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو َمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" الحديث، الدولة تحقق العدل وتدعوا إلى الخير وتتخذوا من الأساليب والوسائل والإجراءات ما يعالج الفقر ويخفف آثاره ويضمن العيش الكريم لكلِ محتاج، ويحقق التكافل بين المجتمع وهي وسائل وأساليب وإجراءات تختلف باختلاف الأزمنة والبيئات والأحوال والنوازل والمستجدات والموارد والاجتهادات وحسن السياسات والإدارات في هذا مدخل واسع من الإعدادِ والتدريب، وتوجيه كل أحد إلى ما يحسنه مع الأجر العادل وتشجيع المحسن ومكافئته، ومجازات المسيء ومعاقبته، في سياسات تصون ثروات الأمة وتزيد في انتاجها وتحسن مستوى خدماتها وتحفظ طاقاتها وتقدر جهود أبناءها في مواهبهم وقدراتهم وكفاءاتهم ومؤهلاتهم في بناء حضاري، وإدارة منظمة، وسياسات محكمة، عمارة للأرض وتطبيق للشرع وتوظيفاً للطاقة في توازن بين حقوق الإنسان وواجباته، وهذا ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين ــ حفظه الله وأعزه وأمد عمره على طاعته ــ وقد جعل الإصلاح شعار حكمه كان من أحد معالم مسيرة الإصلاحية المضفرة تفقده لبعض أحياء الفقراء ومساكنهم ليقف على صور المعانة، ثم اتبع بقرارات وسياسات وإنشاء مؤسسات تتولى معالجة ذلك، وأصدر توجيهاته لرجال الدولة لتنفيذ ذلك ومتابعته.وبعد عباد الله، فإن كان من تنبيه فهو أن الحياة الإسلامية بمناشطها وأعمالها ووظائفها هي حياة نظيفة نزيه لا تقر العبث ولا تسمح في الفساد والتحلل وصرف المال والطاقات فيما لا يحل لا ليلاً ولا نهاراً لا في لهو ولا مجل ولا سوء استغلال.ألا فتقوا الله رحمكم الله، فدينكم يطارد الفقر بأحكامه وتشريعاته وتوجيهاته، والمسلم يستقبل صباحه باكراً، متوضئاً متطهرا،ً مصليا، طيب النفس، مستقيم الخلق، حافظاً نفسه وأهله وماله ووقته.هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداه نبيكم محمد رسول الله فقد أمركم ذلكم ربكم فقال في محكم تنزيله وهو الصادق في قيله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المصطفى والنبي المجتبى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللَّهُمَّ عن الخُلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، والتَّابِعين، ومن تابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وجودِك، وإحسانك يا أكرم الأكرمين.اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وحمي حوزة الدين، وخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين، اللَّهمَّ أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللَّهمَّ وليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللَّهمَّ وفق إمامنا وولي أمرنا بتوفيقك وعزه بطاعتك وأعلي به كلمتك وجعله نصرة للإسلام والمسلمين، وأمد في عمره على طاعتك واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين، اللَّهمَّ وفقهم ونائبه وإخوته وأعوانه لما تحبه وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللَّهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين بالعمل على كتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين، وجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين، اللَّهمَّ وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر إنك على كل شيء قدير، اللَّهمَّ أحفظ اخواننا في سوريا، اللَّهمَّ أحفظ اخواننا في سوريا، اللَّهمَّ أجمع كلمتهم وحقن دماءهم، وحفظ أعراضهم، وأطعم جائعهم، اللَّهمَّ وشفي مريضهم ورحم ميتهم، اللَّهمَّ وانصرهم على بغى عليهم، اللَّهمَّ وربط على قلوبهم وثبت أقدامهم، اللَّهمَّ واجعل لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية، اللَّهمَّ أعنهم ولا تعن عليهم وانصرهم ولا تنصر عليهم، اللَّهمَّ عليك بالطغاة الظلمة في سوريا اللَّهمَّ عليك بهم فإنهم قد طغوا وبغوا وآذوا وأفسدوا وأسرفوا في الطغيان، اللَّهمَّ عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللَّهمَّ اجعل تدميرهم في تدبيرهم واجعل دائرة السوء عليهم يا قوي يا عزيز، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ*وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .